هناك شيء مثير للشفقة بشأن مجموعات أنصار الرئيس السابق جائير بولسونارو المجانين الذين اقتحموا مبنى الكونجرس في البرازيل والمكاتب الرئاسية والمحكمة العليا يوم الأحد الماضي. ذلك أن الكونجرس لم يكن منعقداً. والمتمردون كانوا متأخرين: فالرئيس لويس إينياسيو لولا دا سيلفا كان قد نُصب قبل أسبوع. بل إنه لم يكن موجوداً في العاصمة يومذاك، وإنما في ساو باولو، على بعد 600 ميل.

ولو كان المتمردون يرغبون في إسقاط الديمقراطية وعرقلة النقل السلمي للسلطة، لربما كانوا نظموا التمرد في يوم تكون فيه الديمقراطية في بيتها. ولعل هذا ما حدا بصفحات الرأي والافتتاحية في صحيفة «فولها دي ساو باولو»، وهي اليومية الرئيسية في القطب الاقتصادي للبرازيل، إلى وصف المتمردين بـ«مجموعة الأغبياء».

وعلى الرغم من عدم جدوى التمرد، إلا أن اندلاع العنف من أجل قلب انتخابات منتهية ومحسومة يمثل تهديداً حقيقياً ومتواصلاً ليس في البرازيل فقط. إذ تُمثل شعبية ثورات الشارع كوسيلة لإلغاء الحكم الديمقراطي تحدياً مقلقاً عبر الأميركيتين، حيث بات دعم الديمقراطية في أدنى مستوى له منذ عقود.

بعد عامين على دعوة دونالد ترامب المتمردين إلى اقتحام الكونجرس الأميركي من أجل الحؤول دون تولي جو بايدن الرئاسة، يثير انتشار هذا التكتيك سؤالاً بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً: هل يستطيع من يصف نفسه ببطل الديمقراطية إخماد العنف المناوئ للديمقراطية الذي ساهم نموذجه في إطلاقه على العالم؟ التمرد في البرازيل يحدث وسط شعور عام بالضيق السياسي يكتسح بلدان المنطقة.

فالبيرو ما زالت مضطربة عقب تنحية الكونجرس للرئيس بيدرو كاستيلو من السلطة. والرئيس الشيلي اليساري غابرييل بوريك، الذي لم يتغلب على اليميني خوسيه أنتونيو كاست إلا بعد أن خسر بهامش صغير أمامه خلال الجولة الأولى من التصويت، لم يستتب له الأمر بعد ويعاني من انخفاض حاد في شعبيته. وفضلاً عن ذلك، فإن الاحتجاجات انتشرت عبر سانتا كروس في بوليفيا بعد أن أمر الرئيس لويس آرسي بحبس الحاكم والمنافس السياسي لويس كماتشو.

وفي الأرجنتين، انسحبت نائبة الرئيس (والرئيسة السابقة) كريستينا فيرنانديز دي كرشنر من انتخابات 2023 الرئاسية بعد أن أدينت بالفساد. وفي المكسيك، بالكاد تمكنت المعارضة من عرقلة محاولة الرئيس أندريس مانويل أوبرادور تفكيك سلطة الإشراف على الانتخابات المكسيكية. ومثلما أشارت مؤسسة «لاتينو باروميترو» لاستطلاعات الرأي في المنطقة في دراسة تعود لعام 2021، فإن الدعم الشعبي للديمقراطية عبر أميركا اللاتينية بات في أدنى مستوى له منذ ربع قرن.

ففي 2020، كان 40 في المئة فقط من البرازيليين يوافقون على أن الديمقراطية أفضل من أشكال الحكم الأخرى، مقارنة مع 55 في المئة في 2010. وبالنظر إلى استمرار انعدام المساواة والآفاق الاقتصادية القاتمة ومشاعر انعدام الثقة المتجذرة في طبقة سياسية أثبتت أنها فاسدة ولا تكترث، فإنه سيكون من الصعب عكس هذه الاتجاهات.

ولعل مهمة «لولا» الأكثر استعجالاً، في أعقاب التمرد في برازيليا، هو تحديد ومحاكمة ليس المشاركين المباشرين في التمرد فحسب، وإنما صعود سلسلة المسؤولية وتعقبها إلى أقصى حد ممكن. غير أنه يجب عليه أن يتوخى الحذر ويدرك أنه يحكم بلداً منقسماً على نفسه.

ويستطيع «لولا» استخدام بعض المساعدة من الخارج. فلا شك أن الرد السريع من القادة عبر العالم الذين أدانوا محاولة الانقلاب كان حاسماً وأساسياً للقضاء على أي وهم قد يراود المتمردين بأن جهدهم الجنوني يمكن أن يكتسي أي نوع من الشرعية. غير أنه ينبغي القيام بالمزيد.

والولايات المتحدة بشكل خاص تتحمل مسؤولية ثقيلة عما حدث في برازيليا يوم الأحد قبل الماضي. ذلك أنها لم تكتفِ بإضافة العنف السياسي من قبيل ذاك الذي شهدته واشنطن يوم 6 يناير إلى صندوق الأدوات المناوئة للديمقراطية في العالم. وعلى سبيل المثال، فإن عضو الكونجرس إدواردو بولسونارو، ابن الرئيس، كان ضيفاً على ترامب في إقامته في مار آ لاغو بفلوريدا.

كما أنه أجرى لقاء مع ستيفان بانون وتناول وجبة الغداء مع جايسون ميلر. وفي هذا السياق، ربما يجدر بالقوات المسلحة الأميركية استخدام علاقاتها المتينة مع الجيش البرازيلي لتخبره بأن الانقلابات ليست مقبولة. كما ينبغي على واشنطن أن تستجيب أي طلب بتسليم متمردين برازيليين في الولايات المتحدة.

وينبغي ألا توفر ملاذاً آمناً للرئيس السابق المختبئ في فلوريدا الآن. وخلاصة القول، إن الولايات المتحدة كانت معنية بشكل مباشر بتغذية المشاعر المناوئة للديمقراطية. ولديها مسؤولية للمساعدة على إخماد الحريق قبل أن يلحق مزيداً من الأضرار بالديمقراطية البرازيلية.

*كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»